كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فاعلم أن دليلهم في إجماعهم على أن من ترك الرمي كله. وجب عليه دم، هو ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: من نسي من نسكه شيئًا، أو تكره، فليهرق دماص، وهذا صح عن ابن عباس موقوفًا عليه، وجاء عنه مرفوعًا ولم يثبت.
وقد روى مالك في موطئه عن أيوب بن أبي تميمة السختياني عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: من نسي من نسكه شيئًا إلى آخره باللفظ الذي ذكرنا وهذا إسناد في غاية الصحة إلى ابن عباس كما ترى. وقال البيهقي في سننه: أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن عبد الله بن عبدالحكم، أنبأ ابن وهب، أخبرني عبد الله بن عمر، ومالك بن أنس، وغيرهما: أن أيوب بن أبي تميمة، أخبرهم عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عباس أنه قال: من نسي من نسكه شيئًا أو تكره فليهرق دمًا. اهـ.
وقال النووي في شرح المهذب: وأما حديث: «من ترك نسكًا فعليه دم» فرواه مالك، والبيهقي، وغيرهما بأسانيد صحيحة، عن ابن عباس موقوفًا عليه، لا مرفوعًا ولفظه، عن مالك عن أيوب، عن سعيد بن جبير: أن ابن عباس قال: من نسي من نسكه شيئًا أو تركه فليهرق دمًا قال مالك: لا أدري قال: ترك أم نسي قال البيهقي: وكذا رواه الثوري، عن أيوب: من ترك شيئًا فليهرق وما قال البيهقي، فكأنه قالهما يعني البيهقي أن أو ليست للشك كما أشار إليه مالك بل للتقسيم، والمراد به يريق دمًا ترك عمدًا أو سهوًا والله أعلم. انتهى كلام النووي.
وقال ابن حجر في تلخيص الحبير حديث ابن عباس موقوفًا عليه ومرفوعًا «من ترك نسكًا فعليه دم» أما الموقوف، فرواه مالك في الموطأ. والشافعي عنه عن أيوب عن سعيد بن جبير عنه بلفظ: «من نسي من نسكه شيئًا أو تركه فليهرق دمًا» وأما المرفوع فرواه ابن حزم، من طريق علي بن الجعد، عن ابن عيينة، عن أيوب به وأعله بالراوي: عن علي بن الجعد أحمد بن علي بن سهل المروزي فقال: إنه مجهول، وكذا الراوي عنه علي بن أحمد المقدسي قال: هما مجهولان. انتهى من التلخيص.
فإذا علمت أن الأثر المذكور ثابت بإسناد صحيح، عن ابن عباس.
فاعلم أن وجه استدلال الفقهاء به على سائر الدماء التي قالوا بوجوبها غير الدماء الثابتة بالنص، أنه لا يخلو من أحد أمرين.
الأول: أن يكون له حكم الرفع، بناء على أنه تعبد، لا مجال للرأي فيه، وعلى هذا فلا إشكال.
والثاني: أنه لو فرض أنه مما للرأي فيه مجال، وأنه موقوف ليس له حكم الرفع، فهو فتوى من صحابي جليل لم يعلم لها مخالف من الصحابة، وهم رضي الله عنهم خير أسوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما اختلاف العلماء في لزوم الدم بترك جمرة أو رمي يوم أو حصاة أو حصاتين إلى آخر ما تقدم: فهو من نوع الاختلاف في تحقيق المناط فمالك مثلًا القائل: بأن في الحصاة الواحدة دمًا يقول الحصاة.
الواحدة داخلة في أثر ابن عباس المذكور، فمناط لزوم الدم محقق فيها، لأنها شيء من نسكه فيتناولها قوله: من نسي من نسكه شيئًا أو تكره إلخ، لأن لفظة شيئًا نكرة في سياق الشرط، فهي صيغة عموم، والذين قالوا: لا يلزم في الحصاة والحصاتين دم، قالوا، الحصاة، والحصاتان، لا يصدق عليهما نسك، بل هما جزء من نسك، وكذلك الذين قالوا: لا يلزم في الجمرة الواحدة دم، قالوا: رمي اليوم الواحد نسك واحد فمن ترك جمرة في في يوم لم يترك نسكًا، وإنما ترك بعض نسك، وكذلك الذين قالوا: لا يلزم إلا بترك الجميع قالوا: إن الجميع نسك واحد والعلم عند الله تعالى.
الفرع السادس: اعلم أن جماعة من أهل العلم قالوا: يستحب رمي جمرة العقبة راكبًا إن أمكن، ورمي أيام التشريق ماشيئًّا في الذهاب والإياب إلا اليوم الأخير، فيرمي فيه راكبًا، وينفر عقب الرمي وقال بعضهم: يرميه كله راكبًا.
وأظهر الأقوال في المسألة: هو الاقتداء بالنَّبي صلى الله عليه وسلم وهو قد رمى جمرة العقبة راكبًا ورمى أيام التشريق ماشيئًّا ذهابًا وإيابًا والله تعالى أعلم.
الفرع السابع: إذا عجز الحاج عن الرمي، فله أن يستنيب من يرمي عنه، وبه قال كثير من أهل العلم، وهو الظاهر، وفي الموطأ قال يحيى: سئل مالك، هل يُرمى عن الصبي والمريض؟ فقال: نعم، ويتحرى المريض حين يُرمى عنه، فيكبر وهو في منزله، ويهريق دمًا، فإن صح المريض في أيام التشريق: رَمَى الذي رمِيَ عنه، وأهدى وجوبًا انتهى من الموطأ.
أما الرمي عن الصبيان فهو كالتلبية عنهم، والأصل فيه ما رواه ابن ماجه في سننه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا عبد الله بن نمير، عن أشعث، عن أبي الزبير، عن جابر قال: حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعنا النساء، والصبيان، فلبَّينا عن الصبيان، ورمينا عنهم، ورجال إسناد ابن ماجه هذا ثقات معروفون إلا أشعث وهو ابن سوار الَكِندي النجار الكوفي مولى ثقيف فقد ضعفه غير واحد ومسلم إنما أخرج له في المتابعات، وهو ممن يعتبر بحديثه، كما يدل على ذلك إخراج مسلم له في المتابعات. وروى الدورقي عن يحيى أشعث بن سوار الكوفي ثقة، وقال ابن عدي: لم أجد لأشعث متنًا منكرًا وإنما يغلط في الأحايين في الأسانيد ويخالف. وأما الرمي عن المريض ونحوه ممن كان له عذر غير الصغر فلا أعلم له مستندًا من النقل إلا أن الاستنابة في الرمي، هي غاية ما يقدر عليه والله تعالى يقول: {فاتقوا الله مَا استطعتم} [التغابن: 16] وبعض أهل العلم يتسدل لذلك بالقياس على الصبيان، بجامع العجز في الجميع وبعضهم يقيس الرمي على أصل الحج قال النووي في شرح المهذب: استدل أصحابنا على جواز الاستنابة في الرمي بالقياس على الاستنابة في أصل الحج قالوا والرمي أولى بالجواز. اهـ.
تنبيه:
إذا رمى النائب عن العاجز ثم زال عذر المستنيب، وأيام الرمي باقية، فقد قدمنا قول مالك في الموطأ: أنه يقضي كل ما رماه عنه النائب، مع لزوم الدم وقال بعض أهل العلم: لا يلزمه قضاء ما رمى عنه النائب، لأن فعل النائب كفعل المنوب عنه، فيسقط به الفرض، ولَكِن تندب إعادته، وهذا هو مشهور مذهب الشافعي. وفي المسألة لأهل العلم غير ما ذكرنا.
قال مقيده عفا الله وغفر له: أظهر أقوال أهل العلم عندي في هذه المسألة: أنه إذا زال عذر المستنيب وأيام الرمي باق بعضها: أنه يرمي جميع ما رمى عنه، ولا شيء عليه، لأن الاستنابة إنما وقعت لضرورة العذر، فإذا زال العذر والوقت باق بعضه، فعليه أن يباشر فعل العبادة بنفسه.
وقد قدمنا أن أقوى الأقوال دليلًا هو قول من قال: إن أيام الرمي كيوم واحد بدليل ما قدمنا من ترخيصه صلى الله عليه وسلم للرعاء أن يرموا يوما، ويدعوا يوما كما تقدم إيضاحه والعلم عند الله تعالى.
الفرع الثامن: اعلم أن التحقيق في عدد الحصيات التي ترمى بها كل جمرة أنها سبع حصيات، فمجموع الحصى سبعون حصاة سبع منها ترمى بها جمرة العقبة يوم النحر، والثلاث والستون الباقية تفرق على الأيام الثلاثة في كل يوم إحدى وعشرون حصاة، لكل جمرة سبع.
وأحوط الأقوال في ذلك قول مالك وأصحابه ومن وافقهم: أن من ترك حصاة واحدة كن ترك رمي الجميع، وقال بعض أهل العلم: يجزئه الرمي بخمس أو ست وقال ابن قدامة في المغني: والأولى ألا ينقص في الرمي عن سبع حصيات، لأن النَّبي صلى الله عيه وسلم رمى بسبع حصيات، فإن نقص حصاة أو حصاتين فلا بأس، ولا ينقص أكثر من ذلك نص عليه يعني أحمد، وهو قول مجاهد وإسحاق، وعنه: إن رمى بست ناسيا، فلا شيء عليه، ولا ينبغي أن يتعمده فإن تعمد ذلك تصدق بشيء، وكان ابن عمر يقول: ما أبالي رميت بست، أو بسبع. وعن أحمد: أن عدد السبع شرط، ونسبه إلى مذهب الشافعي، وأصحاب الرأي لأن النَّبي صلى الله عليه وسلم رمى بسبع. وقال أبو حبة: لا بأس بما رمى به الرجل من الحصى، فقال عبد الله بن عمرو: صدق أبو حبة، وكان أبو حبة بدريا.
ووجه الرواية الأولى ما روى ابن أبي نجيح قال: سئل طاوس عن رجل ترك حصاة؟ قال: يتصدق بتمرة أو لقمة، فذكرت ذلك لمجاهد فقال: إن أبا عبد الرحمن لم يسمع قول سعد قال سعد: رجعنا من الحجة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضنا يقول: رميت بست وبعضنا يقول بسبع، فلم يعب ذلك بعضنا على بعض رواه الأثرم وغيره انتهى كلام ابن قدامة في المغني.
وما رواه عن أبي نجيح قال: سئل طاوس إلخ رواه البيهقي بإسناده في السنن الكبرى، من طريق الفريابي، عن ابن عيينة، عن أبي نجيح.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: التحقيق أنه لا يجوز أقل من سبع حصيات للروايات الصحيحة عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يرمي الجمار بسبع حصيات. مع قوله «خذوا عني مناسككم» فلا ينبغي العدول عن ذلك، لوضوح دليله وصحته ولأن مقابله لم يقم عليه دليل يقارب دليله، والعلم عند الله تعالى. والظاهر أن من شك في عدد ما رمى بيني على اليقين، وروى البيهقي عن علي رضي الله عنه ما يؤيده.
الفرع التاسع: اعلم أن جمهور أهل العلم على أن من غربت شمس يوم النفر الأول، وهو بمنى لزمه المقام بمنى، حتى يرمي الجمار الثلاث بعد الزوال في اليوم الثالث، ولا ينفر ليلًا. وممن قال بهذا: الأئمة الثلاثة: مالك، والشافعي، وأحمد، وهو قول أكثر أهل العلم. وقال ابن قدامة في المغني: وهو قول عمر، وجابر بن زيد، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، وأبان بن عثمان، ومالك، والثوري، والشافعي، وإسحاق، وابن المنذر. وقال ابن المنذر: ثبت عن عمر أنه قال: «من أدركته المساء في اليوم الثاني، فليقم إلى الغد، حتى ينفر مع الناس». وخالف ابو حنيفة الجمهور في هذه المسألة فقال: له أن ينفر ليلة الثالث عشر من الشهر حتى يطلع الفجر من اليوم الثالث، فإن طلع الفجر لزمه البقاء، حتى يرمي.
والأظهر عندي: حجة الجمهور. لأن الله تعالى قال: {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ} [البقرة: 203] ولم يقل في يومين وليلة.
ووجه قول أبي حنيفة: هو أن من نفر بالليل فقد نفر في وقت، لا يجب فيه الرمي، بل لا يجوز فجاز له النفر كالنهار. وقد قدمنا أيضًا عن الحنفية أنهم يرون الليلة التي بعد اليوم من أيام التشريق تابعة له، فيجوز فيها ما يجوز في اليوم الذي قبلها كالرمي فيها والنفر فيها إن كان يجوز في يومها.
والأظهر عندي: أنه لو ارتحل من منى فغربت عليه الشمس، وهو سائر في منى لم يخرج منها أنه يلزمه المبيت والرمي، لأنه يصدق عليه أنه غربت عليه الشمس في منى، فلم يتعجل منها في يومين خلافاص للمشهور من مذهب الشافعي القائل: بأن له أن يستمر في نفره ولا يلزمه المبيت والرمي.
والأظهر عندي أيضًا: أنه لو غربت عليه الشمس، وهو في شغل الارتحال أنه يبيت، ويرمي خلافًا لمن قال: يجوز له الخروج منها بعد الغروب لأنها غربت، وهو مشتغل بالرحيل، وهما وجهان مشهوران عند الشافعية والعلم عند الله تعالى.
واعلم: أن التحقيق أن التعجل جائز، لأهل مكة فهم فيه كغيرهم، خلافًا إن فرق بين المكي وغيره، إلا لعذر لأن الله قال: {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203] وهو عموم شامل لأهل مكة وغيرهم، ولا شك أن التأخير أفضل من التعجيل لأن فيه زيادة عمل، والنَّبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع لم يتعجل.
الفرع العاشر: اعلم أن العلماء اختلفوا في المبيت في منى، ليالي أيام التشريق هل هو واجب أو مستحب، مع إجماعهم على أنه مشروع؟ فذهب مالك، وأصحابه: إلى أنه واجب، ولو بات ليلة واحدة منها أو جل ليلة، وهو خارج عن منى. لزمه دم لأثر ابن عباس السابق. وروى مالك في الموطأ، عن نافع أنه قال: زعموا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كان يبعث رجالًا يُدْخلون الناس من وراء العقبة. وروى مالك في الموطأ أيضًا، عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب قال: لا يَبِيتَنَّ أحد من الحاج ليالي منًى من وراء العقبة. اهـ منه.
وهو دليل على وجوب المبيت ليالي أيام التشريق بمنى كما أنه دليل على أن ما وراء جمرة العقبة، مما يلي مكة، ليس من منى، وهو معروف، ومذهب أبي حنيفة: هو أن عدم المبيت بمنى ليالي منى مكروه، ولو بات بغير منى لم يلزمه شيء، عند أبي حنيفة، وأصحابه، لأنهم يرون أن المبيت بمنى لأجل أن يسهل عليه الرمي، فلم يكن من الواجبات عندهم. ومذهب الشافعي في هذه المسألة: هو أن في المبيت بمنى ليالي منى طريقتين، أصحهما، وأشهرهما فيه قولان: أصحهما: أنه واجب، والثاني: أنه سنة، والطريق الثاني أنه سنة قولًا واحدًا فعلى القول بأنه واجب، فالدم واجب في تركه، وعلى أنه سنة، فالدم سنة في تركه، ولا يلزم عندهم الدم، إلا في ترك المبيت في الليالي كلها، لأنها عندهم كأنها نسك واحد، وإن ترك المبيت في ليلة من الليالي الثلاث، ففيه الأقوال المذكورة في ترك الحصاة الواحدة عندهم أصحها أن في ترك مبيت الليلة الواحدة مدًا، والثاني: أن فيه درهمًا، والثالث: أن فيه ثلث دم كما تقدم، وحكم الليلتين معلوم كما تقدم.
ومذهب الإمام أحمد في هذه المسألة: أن المبيت بمنى ليالي منى واجب، فلو ترك المبيت بها في الليالي الثلاث. فعليه دم على الصحيح من مذهبه، وعنه: يتصدق بشيء، وعنه: لا شيء عليه فإن ترك المبيت في ليلة من لياليها، ففيه ما في الحصاة الواحدة من الأقوال التي قدمنا، قيل مَنُّ وقيل: درهم، وقيل، ثلث دم.
فإذا عرفت أقوال أهل العلم في هذه المسألة فاعلم أن أظهر الأقوال دليلًا أن المبيت بمنى أيام منى نسك من مناسك الحج، يدخل في قول ابن عباس: من نسي من نسكه شيئًا، أو تركه فليهرق دمًا.
والدليل على ذلك ثلاثة أمور.
الأول: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم بات بها الليالي المذكورة وقال «لتأخذوا عني مناسككم» فعلينا أن نأخذ من مناسكنا البيتوتة بمنى الليالي المذكورة.
الثاني: هو ما ثبت في الصحيحين: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم رخص للعباس أن يبيت بمكة أيام منى، من أجل سقايته وفي رواية: أذن للعباس.
وقال ابن حجر في فتح الباري في شرح حديث الترخيص للعباس المذكور عند البخاري ما نصه: وفي الحديث دليل على وجوب المبيت بمنى وأنه ن مناسك الحج، لأن التعبير بالرخصة يقتضي أن مقابلها عزيمة، وأن الإذن وقع للعلة المذكورة، وإذا لم توجد هي أو ما في معناها لم يحصل الإذن وبالوجوب قال الجمهور: وفي قول للشافعي ورواية عن أحمد، وهو مذهب الحنفية: أنه سنة ووجوب الدم بتكره مبني على هذا الاختلاف، ولا يحصل المبيت إلا بمعظم الليل انتهى محل الغرض عنه. وما ذكره من أخذ الوجوب من الحديث المذكور واضح.
وقال النووي في شرح مسلم في الكلام على الحديث المذكور: هذا يدل لمسألتين.
إحداهما: أن المبيت بمنى ليالي أيام التشريق مأمور به، وهذا متفق عليه، لَكِن اختلفوا هل هو واجب أو سنة؟ وللشافعي قولان، أحصهما: واجب وبه قال مالك، وأحمد، والثاني: سنة. وبه قال ابن عباس، والحسن وأبو حنيفة، فمن أوجبه أوجب الدم في تركه وإن قنلا سنة لم يجب الدم بتركه، ولَكِن يستحب انتهى محل الغرض منه وكأنه يقول: إن الحديث لا يؤخذ منه الوجوب، ولَكِن يؤخذ منه الوجوب، ولَكِن يؤخذ منه مطلق الأمر به لأن رواية مسلم ليس فيها لفظ الترخيص، وإنما فيها التعبير بالإذن ورواية البخاري فيها رخَّص النَّبي صلى الله عليه وسلم والتعبير بالترخيص: يدل على الوجوب كما أوضحه ابن حجر في كلامه الذي ذكرناه آنفًا.
الأمر الثالث: هو ما قدمنا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه كان يمنع الحجاج من المبيت، خارج منى ويرسل رجالًا يدخلونهم في منى، وهو من الخلفاء الراشدين الذين أمرنا بالاقتداء بهم، والتمسك بسنتهم، والظاهر أن من ترك المبيت بمنى لعذر لا شيء عليه، كما دل عليه الترخيص للعباس من أجل السقاية، والترخيص لرعاء الإبل في عدم المبيت ورمي يوم بعد يوم.